رياضة

منتخب سويسري ملون: هكذا غسلت زيورخ يدها المتورطة في الاستعمار

يرتبط نجاح منتخب سويسرا النسبي بنجاح الدولة في دمج المهاجرين داخل مجتمع يستوعب الجميع. لكن الحقيقة هي أن نفس نجوم المنتخب المهاجرين لديهم رأي آخر..

future صورة تعبيرية (منتخب سويسري ملوَّن)

في يونيو 2021، طرح أحد رواد موقع Qoura سؤالاً حول التركيبة العرقية لتشكيل منتخب سويسرا الذي شارك في بطولة الأمم الأوروبية ضد منتخب ويلز. إذ عبَّر المتسائل عن استغرابه من وجود كثير من اللاعبين السود ضمن تشكيل منتخب سويسرا البيضاء.

يبدو السؤال خالياً من أي منطق؛ لأن التشكيل الذي شارك ضد ويلز على سبيل المثال، لم يكن يضم سوى ثلاثة لاعبين من أصل 11 لاعباً من أصول أفريقية.

كانت معظم الردود متمحورة حول كون السؤال عنصرياً بدرجة ما؛ إذ تجاهل حقيقة كون سويسرا، ممثلةً في المنتخب، هي وعاء استوعب أبناء الجيل الأول من المهاجرين من شتى بقاع الأرض.

بمجرد النظر لتشكيل منتخب سويسرا، نرى أننا أمام فريق كوزموبوليتان، مكوَّن من عرقيات متعددة، وثقافات مختلفة؛ إذ يسع قميص المنتخب الأوروبي من يبحث عن حياة أفضل، لاجئ أفريقي وهارب من جحيم البلقان جنباً إلى جنب دون أي مشاكل تذكر. وهذه بالطبع قصة رومانسية جداً.

عنصرية ممنهجة

«لم يتم أخذي على محمل الجد كرجل سويسري، دائماً كنت أسمع الناس يقولون دائماً هؤلاء الألبان القذرون. ينسى الناس أحياناً أن هناك أشخاصاً طيبين من البلقان. الفارق الوحيد بيني وبين شخص يدعى أورشفايزر، هو الاسم فقط».

— جرانيت تشاكا، لاعب بايرن ليفركوزن وأرسنال ومنتخب سويسرا.

في 2016، قبل استفتاء وطني حول إذا ما كان ينبغي على سويسرا طرد الأجانب الذين يرتكبون مخالفتين، وفي ذلك المخالفات المرورية، قام حزب الشعب السويسري بتعليق ملصقات بالأماكن العامة تظهر فيها مجموعة من الأغنام البيضاء تطرد أخرى من الخراف السوداء خارج الحدود.

حقيقةً، وجهات النظر اليمينية المتشددة ضد أصحاب الأصول العرقية المختلفة ليست جديدة على المشهد السويسري. ففي 2014 على سبيل المثال، أيد الناخبون اقتراحاً بتشديد قواعد دخول المهاجرين للبلاد، بينما في 2009، أيد 57% من المشاركين في استبيانٍ حظر بناء أي مآذن جديدة في سويسرا.

حسب ألما ويكين، عضوة اللجنة الفيدرالية السويسرية لمكافحة العنصرية، فسويسرا ليست محصنة ضد العنصرية الهيكلية والمؤسسية.

طبقاً لتقرير صادر عن نفس المؤسسة، ارتفعت نسبة ضحايا التمييز العنصري في سويسرا من 10% في 2014 إلى 17% في 2018. بينما شهد عام 2020 الإبلاغ عن 352 حالة تمييز عنصري بنسبة زيادة وصلت إلى 30% عن عام 2019.

بالطبع لا تبدو الأرقام مقلقة، حتى ولو ارتفعت بمرور السنوات؛ لأنها تظل قليلة جداً مقارنة بدول أخرى. لكن نظامية العنصرية تتضح في أشياء أخرى.

في 2019، أظهرت دراسة أجراها مكتب الإسكان الفيدرالي، أن معدل الاستجابة لطلبات مشاهدة الشقق الإسكانية كان أقل من 5٪ للأشخاص الذين يحملون اسماً كوسوفياً أو تركياً، كما أظهرت دراسة أجرتها جامعة نوشاتيل في 2020، أن السويسريين ذوي الخلفية الأجنبية يتعين عليهم إرسال طلبات عمل إضافية بنسبة 30٪ من أجل ضمان الحصول على فرصة عمل.

هذه الدراسات تؤكد حقيقة واضحة وهي أن التمييز ليس مرتبطاً بالجنسية أو المواطنة، بل يستند إلى الأصول الأجنبية للشخص، سواءً كانت حقيقية أو متخيلة؛ لأنه للمفارقة، في 2019، كان 25% ممن تعرضوا لحوادث تمييز من حاملي الجنسية السويسرية.

إلى الملعب

في 2009، كان فوز المنتخب السويسري تحت 17 عاماً بكأس العالم بمثابة تتويج لخطة الاندماج الوطنية؛ إذ تفاجأ المشجعون السويسريون أن ثلثي قوام المنتخب من أصحاب البشرة السمراء.

بمرور الوقت، فُتح نقاش حول مدى سويسرية المنتخب، ففي كأس الأمم الأوروبية 2016، كانت تشكيلة المنتخب السويسري الأساسية تضم ثلاثة لاعبين فقط من أصول غير سويسرية، وهم حارس المرمى يان سومر، المدافع فابيان شار، الظهير ليشتشتاينر. في نفس الوقت ضم نفس التشكيل خمسة لاعبين من أصول ألبانية.

آنذاك، أعلنت صحيفة «Blick» عن نتائج استبيان غير رسمي، أقر فيه نحو 58% من المشاركين أنهم لا يمكنهم التماهي مع هذا المنتخب.

في الواقع لم يكن الاستياء من أصحاب الأصول المختلفة حصراً على الجماهير. في 2018، صرَّح الأمين العام للاتحاد السويسري لكرة القدم أنه يجب إيجاد حل لدمج اللاعبين أصحاب الخلفيات العرقية المختلفة في سن مبكرة لتفادي تكرار حادثة النسر المعقوف التي قام بها أصحاب الأصول الكوسوفية/الألبانية خير الدين شاكيري وجرانيت تشاكا.

في 2015، صرَّح ليشتشتاينر، ظهير أرسنال ومنتخب سويسرا السابق، أن منتخب سويسرا يحتاج إلى الترويج لنماذج مثل ترانكيلو بارنيتا أكثر من اللاعبين المهاجرين. في حين كان نجم المنتخب السابق ستيفان هينشوز أكثر صراحةً حين ادعى أن منح تشاكا شارة قيادة المنتخب قد يجعل اللاعبين أصحاب الأصول السويسرية والمشجعين السويسريين يشعرون بالانزعاج والتهميش.

يعتقد ديكون بيويز، مؤلف كتاب Watching Switzerland أن هنالك مخاوف وقلقاً داخل الشارع السويسري من ازدياد أصحاب الجنسيات المزدوجة والمهاجرين، أي شعور عام باندثار كل ما يمثِّل سويسرا المحافظة، وربما ينبع ذلك الشعور من ثقافة العزلة السويسرية المتمحورة حول الحذر من الغرباء.

على الرغم من ذلك، يؤكد بيويز أن تشكيل المنتخب متعدد الأعراق حتى وإن حقق النجاح عن طريق التكامل، يظل هذا النجاح مجرَّد غطاء للتصدعات التي يعاني منها المجتمع.

لماذا نحن هنا؟

يقول الكاتب الأمريكي كلينت سميث إن كرة القدم الدولية تدعونا لتخيُّل الدول، ليست كما هي، بل كما يجب أن تكون. وهذه هي المشكلة تحديداً عند التعاطي مع منتخب سويسرا، إذ يبدو من الصعب توقُّع أن يُعاني أي من سكان هذا البلد المحايد الديمقراطي، الذي يقف دائماً إلى جانب الخير، من العنصرية أو التمييز.

تعتقد المؤرخة السويسرية أشكيرا دارمان أن بداية حل مشكلة العنصرية ضد أصحاب الأصول المختلفة في سويسرا تكمن أولاً في معرفة جذورها. ثم تسترسل لتضيف أن الماضي الاستعماري لسويسرا يلعب دوراً مهماً في المشهد الحالي. لكن أي ماضٍ استعماري؟

إذا سألت أي سويسري عن ماضي بلده الاستعماري سيمنحك إجابة قاطعة بأن بلاده لم تقم بالاشتراك في مثل هذه الممارسات. لكن هذه هي نصف الحقيقة طبعاً.

على الرغم من أن سويسرا لم تمتلك مستعمرات خاصة بها، لكن لديها علاقات تاريخية مع مستعمرات البلدان الأخرى. ونتيجة لذلك، انتشرت المفاهيم الأخلاقية المتمثلة في سمو العرق الأوروبي أثناء فترة الاستعمار داخل سويسرا كما في خارجها.

خلال القرن الـ19 ومطلع القرن الـ20 انتشرت نظريات العنصرية ضد كل ما هو غير أوروبي، وكانت متاحف سويسرا الإثنوجرافية تستخدم السكان الأصليين للبلدان المستعمرة كعناصر استعراضية لجذب المواطنين الأوروبيين.

من جهة أخرى يرى الخبير الاقتصادي ريتشارد بهرندت أن سويسرا استفادت من الإمبريالية أكثر من القوى العظمى نفسها؛ إذ استثمرت البنوك السويسرية في التجارة الثلاثية، فكان 40% من تجارة الرقيق مغطاة بتأمين سويسري.

على سبيل المثال، كانت مدينة بيرن أكبر مستثمر في شركة بحر الجنوب البريطانية التي قدمت العبيد المستعمرات في أمريكا الجنوبية. وامتلكت العائلة المالكة لبنك Credit Suisse مزارع لإنتاج القهوة في كوبا، وبالطبع كان العبيد هم الوقود المثالي لتشغيلها.

بالطبع، سويسرا حالياً ليست سويسرا القرن الـ18 أو الـ19 لكن طبقاً للمؤرخة أشكيرا دارمان ظلت بعض المفاهيم العنصرية باقية داخل المجتمع السويسري حتى بعد انتهاء حقبة الاستعمار، وبداية فترة المواطنة والتسامح والاندماج، فقط لأن سويسرا كدولة لا تزال تصر على أنها، حسبما ادعت دوريس لوتهارد عضوة الحكومة الفدرالية السابقة، لم تشارك قط في العبودية أو الاستعمار.

بالتالي، قد لا تحتاج سويسرا إلا لمنتخب متعدد الأعراق ومقرات لمؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر كي تقول للعالم إنها دولة يمكنها احتواء الجميع.

# منتخب سويسرا # رياضة # كرة قدم # مجتمع

من دمشق إلى باريس – نوتردام سليلة العمارة الإسلامية
وأنت السبب يا ابني: كيف تؤثر الأبوة على أداء اللاعبين؟
السودان في «الكان 2025»: كيف تحكي لنا كرة القدم تاريخ السودان المنسي؟

رياضة